حداثة البردوني الشعرية.. الأستاذ علي أحمد جاحز

حداثة البردوني الشعرية.. الأستاذ علي أحمد جاحز
موقع الشاعر الكبير الأستاذ عبدالله البردوني

دراسات >  حداثة البردوني الشعرية.. الأستاذ علي أحمد جاحز

قراءة في استثمار الشاعر للوسائط الفنية العصرية وملامح الواقع
(الحداثة المضادة لوحشية الحداثة المادية.)
ظاهرة البردوني:
مقدمة للوصول إلى سر الرؤية المغايرة:
لم يعد الحديث عن دور الأستاذ الشاعر عبد الله البردوني في خروج العمود الشعري على نطاقاته التقليدية والمألوفة وانطلاقة إلى فضاءات الحداثة الشعرية الإنسانية لم يعد ذلك الحديث جديداً على متلقي ومنظري ونقاد عصره فهو أمر مثبت في أكثر من دراسة..
ولكن الحديث عن أسرار وأعراض وكيفيات ذلك الدور ومنطلقات ومنابع الإبداع ومواضع المغايرة والخصوصية في تفاصيل أعمال الشاعر وفك شفرات ذلك اللغز الشعري الذي ما يزال يشكل هالة من الغموض والدهشة في داخل أبنية وصور النص الشعري.. الخ ، هو ما ينبغي أن يكون وصولاً إلى التعرف على ملامح ونقاط تنظيرية تشكل في مجملها محددات منهجية للاتجاه الذي اتجهه / البردوني / كشاعر وكمدرسة شعرية أيضاً تتفرد بخصوصيتها الفنية والفكرية..
لن يتأتى ذلك إلا من خلال التناولات المنهجية لتفصيلات التجربة !! البردونية!! وسبر أغوار الرؤية الشعرية لديه ومقاربة مجالات الدلالة وحقول الصورة وآليات البناء وفنيات تسخير اللغة وكسر رتابتها والتمرد على مألوفها البنائي والتأليفي وتطويعها للرؤية وتطويع الفكر لها وتطويعهما معاً لإنتاج الفن الشعري.. وكذلك الوقوف على حدود الاتجاه الفكري ومدى تحرره من الأيديولوجيا ووصوله إلى مستويات التلقي الإنساني كأدب مشترك يقع ضمن سلالات الآداب العالمية ذات الخطاب المشترك.
إن تناول نص من نصوص البردوني ليس بالسهل..كما أنه ليس بالمستحيل فمثلما تأتي نصوصه مشحونة بالمزايلات والمتغايرات وجامعة بين الحسي والمعنوى وموافقة بين نار العاطفة وماء اللغة ، وساخرة حزينة، واقعية وفنتازية في ذات الوقت..فإن الوقوف عليها أيضاً يحتاج إلى قدرة واسعة على اقتحام العوالم الرؤيوية والتحليق في فضاءات الدلالة وذلك يحتاج إلى امتلاك العديد من الملكات القرائية والمرجعيات الفكرية والحاسة الذوقية ليمكن اكتشاف العلاقات والدوال والمسوغات وصولاً إلى حدود المرامى الدلالية وأبعاد الرؤية.
لم يكن يؤخذ في الاعتبار عند تناول البردوني كشخصية أدبية أو كشاعر كونه بصيراً، رغم أن ذلك يحيل إلى استقراء الخصوصية التي تميز بها من حيث تأثير الرؤية البصرية على تكوين الرؤية للمعنوي والمحسوس ، واستبصار العلاقات بينها وتمثلها حالة الدفق الشعري ، وهذا يقودنا إلى زاوية هامة في التجربة البردونية مفادها أنه من الممكن أن يكون لفقدان الرؤية الحسية عند البردوني أثر جوهري في خلق تلك الرؤى الجديدة وذلك من خلال النظر إلى آلية الإدخال المعلوماتي والثقافي والطريقة الخفية التي يتم بها استيعاب المدخلات والكيفية التي يرى بها الحياة والواقع ، وجميع العوامل والمؤثرات التي تطرق ذهنه أو تثير اهتمامه كمكفر وعواطفه كشاعر…فإنه يتجلى لنا الفارق بين النظر في حالة فقدان الرؤية الحسية وبينه في حالة الرؤية الخفية المتمثلة في البصيرة وذلك الفارق يحدد بؤرة الاختلاف والتميز اللذين يتمتع بهما شاعر وأديب كالبردوني.
إذن ما دمنا توصلنا إلى أن الرؤية الحسية لها أثرها في استقبال ما يدور حول الإنسان وطريقة وكيفية تفسير الظواهر وخلق العلاقات أو إدراكها وفقاًُ لذلك.. فإن مخرجات الكتابة تنشأ وفقاً لتلك الرؤية وبدرجة عالية من التناسب.. حيث أن أفق التخيل يتجدد وفقاً لما هو مشاهد أو مكون من عناصر مستمدة من المشاهدات.. وبما أن البردوني لا يتمتع بالبصر من زمن طويل قبل الإدراك والوعي فإن أعماله وبخاصة الشعرية تنفرد برؤية جديدة ونكهة جديدة تحددها آلية الرؤية الخاصة للحياة حوله.
وعلى ذلك فإن من الضروري عند تصنيف ملامح هذا الشاعر وبلورة شخصيته الأخذ في الاعتبار الحرمان من الرؤية الحسية ، ولكي لا يكون الحكم من وجهة نظر منحازة للمبصرين فقط فإن من العدل استقراء واستيضاح مدى التشابه والتغاير بين رؤيته ورؤية المبصر ومن ثم الوقوف على مكامن والغاز النفور والغموض الناجم عن وجود عوالم تخييلية تتجلى في ذهنية الشاعر ويضعها للمتلقي دون أن يأخذ في اعتباره محدودية الرؤية لدى المتلقي ومدى وصوله إلى مكامنها.
بإمكاننا الوقوف على هذه الظاهرة والإحاطة ببعض ملامحها وأعراضها والتدليل عليها نظرياً من خلال دراسة نصية واسعة تأخذ في طياتها اعتبارات ومعايير مختلفة وتستفيد من تراكمات القراءات المستفيضة لمراحل التجربة وما كتب حولها في إطارها وتأخذ في الاعتبار المرجعيات الفكرية والثقافية والمصادر الأدبية والاجتماعية والسياسية ليتنسى لنا الوقوف على ظاهرة مغايرة استطاعت كسر رتابة اللغة واعتيادية السبك والبناء.
ولعل الحديث والدراسة للتجربة البردونية بعد رحيله جسماً وغيابه عن مستجدات الحياة والواقع يختلف رؤية وجرأة عن الحديث والدراسة في حياته فقد ترك رحيله فراغاً أدبياً في قلب الجديد والمتجدد الأدبي.. كما أن رحيله لم يكن ليمحوه من ذاكرة تتشبث بكل مفردة من إبداعاته بقدر ما كان رحيله يقظة هادرة أدت إلى الالتفات وإعادة النظر في تراثه الممتد على مساحة الأدب الإنساني والمتجذر في قلب الواقع المسكون بصمت أدبي وسياسي مهين.
حداثة البردوني الشعرية:
ظل التجديد ومن ثم التجريب داخل القالب العمودي هاجساً مثالياً..أد ى إلى قنوط مفرط في الحركة الشعرية التجديدية على مستوى الساحة الثقافية العربية.
وهذا القنوط استحال –بفعل الانصراف عن الاشتغال الجاد داخل قالب العمود والتطرف في التمسك بالأساليب البنائية والبلاغية والتقليدية على ظهور دعوات نقدية وتنظيرية لحداثة بعيدة عن الموسيقى تحت زعم اعتبارها إحدى معوقات التحليق في فضاءات الحداثة والتجريب ومن منطلقات شبه منحازة إلى اليسارالحداثي المتطرف في الثورة على كل ما يحمل مظهر القديم.. وتلا ذلك اتجاهات نقدية تنتهج الإفتاء الجازم بعدم صلاحية العمود الشعري لاستيعاب التغيرات المتسارعة في عجلة الواقع وامتصاص تشعبات وتناقضات وتداخلات أعراض الحداثة الإنسانية ومايسمى ” العالم الحديث “.
خلال تلك التحولات التي تلت الثورة على الرومانسية وأحلامها الباهتة وبقايا الكلاسيكية وأفكار الصنمية كان ثمة من يعد لثورة مفاهيمها جديدة ترمي لتأسيس مدرسة وسطية داخل الحداثة الشعرية وترد المفاهيم المغلوطة للحداثة الشعرية إلى نصابها.
ذلك هو الأستاذ الراحل الشاعر والناقد/ عبد الله البردوني الإنسان الذي استطاع أن يهدم تلك النظيرات التي تقول بعدم صلاحية العمود لاستيعاب الحداثة الإنسانية ومتغيراتها المتسارعة وتفنيد مبرراتها الهشة دون جدل.. وذلك بقدرته على إنتاج مفهوم جديد للعلاقة بين النص والقالب بكونهما شيئين منفصلين إذ أن النص كائن في أي قالب وهو عند البردوني كذلك غير أن الشعر في نظره يكتسب قوته من حداثة الرؤية أولاً والموسيقى بكونها عنصراً فنياً وجمالياً ثانياً.
وظل البردوني يشتغل على النص داخل القالب المنسي وهو يعي أن ما يكتب حوله داخل العمود لا يرقى لمستوى مجاراة الحداثة الإنسانية وثورة العلم والمعلومات والاتصالات والإعلام والأمور التي أصبحت تؤدي دور الشاعر القديم من وصف ورثاء وهجاء وتوثيق وتحميس وتهدئه…ألخ.
وفي ظل وعية بكل هذا استطاع أن يتفرد بالاشتغال الجاد – رغم ما واجه من اتهامات – على مجاراة كل ذلك واستيعاب ما يستجد واختزال متناقضات ومتباينات ما ينتج في داخل الحداثة الحياتية وما ينجم عنها من مفاهيم.. إضافة إلى إيمانة بأن القالب لا يقيم النص ولا يوازيه ولكنه لا شيء – شعرياً – إذا تحدث النص.. والقافية لا تمثل حجر عثرة في طريق الترائي الشعري والدفق الهجسي.. ولكن على العكس تماماً كلما كثف الشاعر التصوير وكانت درجة التخييل عنده عالية في بنائيات كلما كانت إمكانية استحضار القافية أسرع وأما إذا كان الشعر تصريحي البناء والدلالة فإن الشاعر يصبح محاصراً بواحدية الدلالة ومن ثم ضرورة اللجوء لمفردة تخدم تلك الدلالة الوحيدة في القافية وهذا يحاصر الشاعر ويشغله عن المتن الفني والشعري.
لذا أثبت البردوني ابتداء من ” أرض بلقيس ” وحتى ” رجعة الحكيم ” أن العمود الشعري هو أجدر القولب الشعرية استيعاباً وجمعاً للحداثة والقوة الشعرية.
وقبل أن يكون البردوني أنموذجا مغايراً داخل الحراك الشعري الحداثي لم يكن ليصادر أو يقاطع أو يتعصب.. مهما كانت الاتجاهات، بل نجده قارئاً ومتذوقاً من طراز نادر ، وناقداً حاذقاَ لكل ماهو جديد وإن لم يلتفت إلى جمودية وأكاديمية المصطلح النقدي.
منطلقات الرؤية البردونية للحداثة:
لقد انطلق البردوني في رحلته مع الحداثة في العمود من منطلقات رؤيوية وبنيوية جديدة كل الجدة، ولعل بؤرة هذه المنطلقات هي رؤيته الفلسفية للحداثة الإنسانية نفسها ومدى تأثيرها على الإنسان وفطرته والطبيعة وروعتها والقيم والمبادئ..إلخ. وهو ما خلق لديه قدرة على التحاور مع ما يدور وما يمكن أن يحدث بلغة العصر ومن خلال مظاهرة ومراوغة رتابة الأداء والبناء وفقاً لما تعكسه مرايا الواقع من متناقضات وتصادمات مع القيم والمفاهيم الإنسانية ليكون الإنسان بعموميته وخصوصيته هو هاجسه الأساسي ، مع أن ما يكتب سواه لم ينصرف كلياً عن الهم الإنساني.. غير أنه كان أكثر شعراء العصر ملامسة ً لمواضع الوجع الإنساني وأكثر استشفافاً لما وراء المحسوس وأحد من لملم أشلاء القضية الإنسانية وأختزلها في عبارته الكثيفة:
من ذا هنا غير الأسامي الصفر تصرخ في خفوت
غير الفراغ المنحي.. يذوي..يصر على الثبوت
غير انهيار الآدمية وارتفاع البنكنوت
وحدي الوك صدى الرياح وارتدي عري الخبوت
(لعيني أم بلقيس)
هكذا يبدو في ذروة التألق الحداثي ، مواجهاًَ لما تحدثه وتنتجه الحداثة الإنسانية.
التقدم العلمي والصناعي في جسد الإنسانية.. مستخدماً وسائطها في مواجهتها..

ولعل سر هذه التجليات يكمن في استثماره لمخرجات هذه الحداثة المتوحشة ذات الوجوه المتعددة من حيث لغتها وأساليبها وعلاقاتها وتراكيبها وأيضاً تأثيراتها على الإنسان وقيمه وإنسانيته عموماً.
السوريالية التي لا تخلو منها ثقافتة ناتجة عن وعيه بما يتطلب التلقي الأتي والتلقي القادم بحركيتة وتغير تذوقه للشعر محاكاةً لما هو حاصل في تداعيات الأحداث وغموض منطلقاتها ومسبباتها، وسوريالية كينونتها في الواقع.
ومفارقاته تأتي من جديد العلاقات بين مكونات الواقع الإنساني الناتجة عن وجود انحرافات في آليات التعامل مع العصر ومكوناته ووسائطه وأساليب التعايش في ظل هذا السياق الحداثوي. لذا تأتي صور العلاقات في شعر البردوني على هيئة دوال مختلة غير منسجمة المتغيرات ” انهيار الآدمية- ارتفاع البنكنوت ” مثلاً.. وأيضاً ” الفراغ المنحني- يذوي – يصر على الثبوت “.
وهو في ظل استيعابه لكل ما يدور ويجري ويتحول في الواقع الإنساني يشتغل على اختزال رؤيته ومواجهته مستخدماً لغة الواقع نفسه وأدواته للوصول إلى النص الحداثي الموازي لحداثة الواقع المادية.
وتتعدد آليات التحاور مع الجديد وصده والتصادم معه بتعدد منطلقاته ومواقفه منه، وأيضاً تأثره وإحساسه بما ينجم سلباً عن تطور أدوات الحياة ومظاهرها من حوله:
القناديل يا دجى منك أدجى
المنايا أم شرطة الليل أنجى
وأيضاً:
هل تعي يا دجى لماذا تحابي؟
ذاك تعميه ذاك تعطيه وهجا
وأيضاً
القناديل لا تُري الشعب نهجاً
وتُري قاتليه عشرين نهجا
رواغ المصابيح
اتخذ البردوني من وسائط الحياة وتمظهراتها وحداثة علاقاتها ومفاهيمها مجالاً رؤيوياً وحقلاً خصباً لثنائية، التخييل – التخيل، في قصائده.. حيث تنطلق الصورة من حقل دلالي وتصويري متشعب الملامح ولكنه يعكس ملامح الحضارة العصرية ويدور في فلكها.
تماماً كالمصابيح في نص (رواغ المصابيح) التي جعل الشاعر منها حقلاً دلالياًُ للصورة الأم ذات الدلالة الفنية العميقة للمخاتلة ومضايقة الحقيقة.. وللزيف المسيطر والمغالط وذلك في كونها وسيلة ترفيه تحمل في حقيقتها مفارقات ، “ذلك تعمية- ذلك تعطيه وهجاً ” ، ” لا تري الشعب نهجاً – تري قاتليه… “. وهذا يحيل إلى مدى قدرة الشاعر على تسخير مجال التخيل “الضوء الصناعي ” في إنشاء دوال نصية تصل إلى ذروة الحداثة التعبيرية في استثمار مجال حداثي أو مظهر حداثي مادي في خلق صورة شعرية حداثية توحي بأن الشاعر يسعى لخلق حداثة شعرية موازية.
قبل أن ألج إلى مفاصل التناولة القرائية أرغب في طرح بعض التساؤلات مثل:
– البردوني لم يكتب في الحب والغزل والمرأة المحبوبة.. ولا يظهر أنه دار في فلك الأغراض الشعرية التقليدية.. هل ذالك يعني أنه يرى الحداثة في الخروج عليها؟ !
– البردوني لم يتعصب لفكر أو اتجاه سياسي أو عقيدي أو..الخ. داخل البنية الفكرية المكونة للعملية الشعرية.. فهل كانت الاستقلالية الفكرية ومجانبة الانتماءات والاتجاهات الإيديولوجية الحداثية والماضوية ملمحاً حداثياً في نظره؟!
– البردوني اتخذ من الشكل العمودي قالباً يصب فيه رؤيته ويشكل عبره صوره ومشاهده في الوقت الذي كان التهافت على كسر القالب واستبداله حلاً أخيراً في نظر شعراء جيله للخروج إلى أفق الحداثة.. فهل كان وعيه بمعاكسة الاتجاه والتمسك بالقالب عند الخروج إلى أفق الحداثة ملمحاُ من ملامح حداثته وفرادته؟!
– البردوني في موائمته بين الاحتفاظ بالمرجعية والاننفتاح على الحديث والأجد.. هل كان يعي بأن ذلك الانسجام سيعطيه فرادة الشاعر المغاير في موكب الحداثة الشعرية.؟ !
ربما تكون المحاور التي سوف أنشر حولها تفاصيل هذه القراءة محتوية على إجابات موضوعية إلى درجة ما..على هذه التساؤلات.
أولاً: مخرجات الحداثة البشرية والقيم الإنسانية (علاقة عكسية):
أسلفنا أن من أبرز ما يميز شعر البردوني هو اتخاذه من مظاهر ومخرجات الحداثة البشرية المادية وتأثيراتها منهلاً يستمد منه المادة الأساسية المكونة للرؤية الفنية للشعر سواءً على مستوى المفردة أو الصورة أو الدلالة الكلية والجزئية.
والحداثة في ذلك تكمن في الاستفادة من مكونات وملامح المحيط الإنساني لتكوين اتجاه شعري مصادم ومكافئ لم ينجم عن التطور المادي في حياة البشرية.، وذلك كانتفاضة روحية يتزعمها الشعر ، ولذلك نجد من خلال ما قرأنا “أن النص البردوني ينطوي على رؤى عميقة تفلسف قيم الواقع الاجتماعي وتصطرع مع تمظهراتها بعد استلهامها ومحاورتها بهدف رجرجتها والخروج بها من سكونيتها واعتلاليتها وهنا تكمن عمقيتها، وتتجلى حركية ثوريتها المتجهة صوب المستقبل” (1)..
وفي ذلك الصراع المحتدم مع الواقع الإنساني لا ينسى البردوني أن ثمة فرقاً يظل نصب عينيه بين الاصطراع مع الجديد بلغته ووسائطه المأخوذة منه وبين الاصطراع معه بوسائط عفا عليها زمن غابر:
عالم كالدجاج يعلو ويهوي
يلقط الحب من بطون القذارة!!
وأيضا:
بوح كالحبل المسترخي
تحت الأثواب المبلولة !
ويرى أن العمود – بجعله قالبه الشعري – هو منطلق الفرادة والتميز الحداثي في حلبة للصراع بين الدفاع عن قيم الإنسانية ومفاهيمها التي بدأت تتخذ منحى منحرفاً ، حيث يقبل السيء ويرفض الحسن ويستحسن القبيح ويستنكر الجميل والجمال في كليته، ولذا وكون العمود الشعري واحداً من تلك القيم الجمالية التي يرفضها دعاة التجديد.. فإنه من خلال تمسكه به، وتقليده أوسمة الحداثة ورؤية العصر ، وإعطائه نكهة الجدة والإبداع.. استطاع التمسك والتجديد معاً مزايلاً ومغايراً.. وهو لم يتخل عن قيمه وثوابته حين جدد في الرؤية والصورة والاسلوب داخل العمود- كما اعتقد من جايلوه من شعراء العمود في اليمن واتهموه بالهذيان- ولكنه رمى كل ما هو غير مجدَ وكل ما يخص أزمنة أو حضارات انقرضت وعياً ونظاماً وحضارة ، فاستغنى عن تمظهراتها ووسائطها الفنية اللغوية وقضاياها التي لم تعد ترتدي ذات الثياب فاستبدل ثياب رؤيته إليها.
وفي ذات الوقت أثبت أمكانية الاحتفاظ بقوة الشعر العمودي المتمثلة في عدم قابليته لأدعياء الشعر.. مع ما يمكن أن يكون عليه الشاعر من قدرة على استيعاب مظاهر التجديد واختزالها.. وذلك أمر لا يسهل إلا للشاعر اللبيب:

مثلما تعصر نهديها السحابة
تمطر الجدران صمتاً وكآبة
يسقط الظل على الظل كما
ترتمي فوق السآمات الذبابة
يمضغ السقف وأحداق الكوى
لغطاً ميتاًَ وأصداء مصابة
مزقاً من ذكريات وهوى
وكؤوساً من جراحات مذابة
تبحث الأحزان في الأحزان عن
وترٍ باك وعن حلق ربابة
(عينة جديدة من الحزن)
في هذا النص الذي ينحدر من أعالي التهاجس السوريالي المشحون بالتعابير الحركية ابتداءً من العنوان وحتى نهاية النص.. نجد البردوني قد أوغل في استخدام واستثمار مجالات جديدة للدلالة. وذلك من خلال الحقول التصويرية التي يدور التخييل الشعري في مدارها والتي هي مأخوذة من مشاهد عصرية.. ولو أنها هامشية وبعيدة أحياناً عن بديهة الشاعر العادي ” سحابة تعصر نهديها – ظل يرتمي على ظل – وترٌ وربابة ٌ باكيان”.، وإسقاطها على دلالة جديدة “الصمت العصري- المهانة البشرية – الخوف العصري – الحيرة والحزن المخنوق ” ولعل أكثر ما جعل ذلك الدفق الشعري الإنساني يبدوا ظاهراً كسمة في شعرية البردوني هو اختلافه في طريقة إنتاج الصورة وإسقاطها. ” حيث يتوحد في إطار ثورية الفعل الشعري ، الموقف الفكري مع الموقف الفني مما يؤكد جدلية التلاقح بين الشكل والمضمون في النص الشعري البردوني حتى في استجابته للهيكلية التقليدية المتوارثة على نحوٍ يثبت عبقرية البردوني الشعرية” (2)
ومن هذا المنطلق نستطيع العبور إلى رؤية البردوني الشعرية للحداثة، ومن كونه يرى أن الحداثة المادية في تمظهراتها الهشة إنما تأتي كدالة عكسية للقيم الإنسانية وعلى حساب سلامة مفاهيم الحياة وأذواقها:
بيع مخمور وشراء
لزج كالمضطجع الزاني
تصنيع ذيول.. أدمغة..
تسويق مناع وأماني
البيت الأبيض في عيني
فحميّ.. والهندي غالي
إنساني لا لوني
وعلى العدواني عدواني
يا وجه الزيف أعد بصري
يبست عيناك بأجفاني
أختار أنا يازيف يدي
تشكيلي وجهي ولساني
!!وجه الوجوه المقلوبة!!
إن الإسقاطات النعتية التي يستخدمها البردوني عند وصفة لمظاهر الواقع تدخل في سياق الفن المشاكس المشاغب ” بيع مخمور- شراء لزج – تصنيع أدمغة -البيت الأبيض فحمى “… ” وذلك يندرج ضمن الرؤية المضادة لمخرجات الحداثة المادية في الواقع وتصادمه معها بواسائطها أو بصفاتها وتمظهراتها المريبة فالصورة الوصفية عند البردوني تضج بالحركة إلى أن تصبح في بعض الأحيان مشاغبة مكشوفة ضد الواقع المتحرك بقدر.. “(3)
وتأخذ رؤيته المشاغبة أو بالأصح التصادمية مع سلبية الحداثة المادية وتداعياتها ذات النتاج الهش منحى التصريح والشفافية أحياناً حيث يستخدم في بعض الأحايين البنائيات القائمة على دوال بوحية منطلقة من السخرية كبؤرة جمالية قائمة بذاتها دون اللجوء إلى التمترس وراء فنيات الغموض التصويري:
ما لذي أخبروا وما أضافوا
بشروا تارة وحيناً أخافوا
سمعوا ضجة وشاموا حشوداً
ما دورا أهو مأتم أم زفاف
إلى قوله:
هل تدنى المريخ منا قليلاً
هل حدا المشتري إلينا انعطاف
المدارات أخطأت أم أخلت
نهجهاً أم أدارها الاعتساف
أم رقى الثرى إليها تفاعي
فرقى في عروقها الانتزاف
ثانياً الحيرة الكلية في فانتازيا الحقيقة (موقف الفانتازيا الفنية من الواقع):
يرسم البردوني في معظم فلسفاته النصية صورة بشعة لحقيقة ما يحدث داخل المحيط البشري والبنية المجتمعية من صور كانت قبل محض فانتازيا وأصرت أن تستحيل واقعاً.. سواء على مستوى المحيط القريب للشاعر أو على مستوى المحيط الإنساني الكلي.
إنه استجلاء الشاعر الحكيم للحقيقة الإنسانية البشعة في ظل وجود حيرة كلية وذلك يكون موقفاً فنياُ عميقاً وصادقاً يظهر في هيئة بنائيات تصويرية وفلسفية مستوحاة من إحداثيات الواقع المتخبط ذي النفحة الأسطورية والفانتازيا العلمية..
الأمر الذي يتيح للشاعر ورود مورده الدفاق ليضع رؤيته ويضع صورة جديدة للشعر:
ليس بيني وبين شيء قرابة
عالمي غربة زماني غرابة
وأيضاً:
غريبة يا طارئات عني
وتلتحفن قامتي وظلي
من مقلتي تدخلن قبل فتحي
ومن فمي تخرجن بعد قفلي
تطبخن في قلبي عشاء موتي
وتبتردن في يدي وأغلي
وفي ذات السياق يظهر الموقف المناهض لتلك الحقيقة المشوهة وذلك التخاتل الإنساني الذي يحيل دوماً إلى حيرة كلية ذات ملامح قلقة يلوح ظلها جلياً في مشاهد بوحية شفيفة تعبر في أسلوبيتها عن الحيرة الإنسانية في عموميتها حيناً وعن حيرة الانتماء حيناً وعن حيرة الذات أحايين كثيرة.
وعندما يتحد البردوني مع الهم الإنساني العام يتجه مباشرة إلى ممارسة هجوميتة الفنية من خلال تنصيبة لذاته – التي هي جزء من الإنسانية – ممثلاً لها في تساؤلاته وبوحيته:
لماذا المقطف الداني
بعيدً عن يد العاني؟
لماذا الزهر آني
وليس الشوك بالآني؟
لماذا يقدر الأعتى
ويعياً المرهف الحاني؟
إلى أن يصل في تساؤلاته إلى:
أأستفتيك يا أشجار
فوقي غير أغصاني
كومض الآل إيراقي
كلغو السكر إعلاني
وأحياناً نجدها حيرة انتمائيه تنطلق من قضايا وهم أمة ينتمي الشاعر إليها كالعروبة وفيها يحشد الشاعر وسائط فنية مأخوذة من داخل الحيرة القومية نفسها كأن يستحضر التاريخ أو الشعراء السالفين ويتحاور معهم أو يتصادم معهم بغرض الكشف الفني عن عورة الواقع وأحياناً يجعل ملامح الواقع العربي مرآة تصويرية ليستعرض فيها رؤية الفنية.
عروبة اليوم أخرى لا يدل على
وجودها أسم ولا لون ولالقب
وأيضاً:
ماذا جرى يا أباتمام تسألني
عفواً سأروي ، ولا تسأل ، وما السبب
يدمي السؤال حياء حين تسأله
كيف احتفت بالعدا حيفا أو النقب
وحيناً:
من ذا يرد الكاسحات ومن
فوق الخليج الأصفر احمروا
جاؤا فلا هز العرار يداً
ولا درى ما لونه التمر
لا اهتجت يا بيت “الحسين” ولا
عكرت نوم اللحد يا “شمر”.
وتأخذ الحيرة سمة الخصوصية والذاتية والوطن/ الذات في تصويرات قلقة تمتد في اقصى حدها إلى المحيط القريب من الشاعر ومجتمعه حيث يأخذ الشاعر مجالاته التخييلية وحقول الدلالة من أجواء الشارع.. هموم البسطاء.. وجزئيات الحياة الحركية، وهكذا تأتي فلسفتة الفنية إزاء المجتمع:
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي
ملحية عاشقها السل والجرب
ماتت بصندوق وضاح بلاثمن
ولم يمت في حشاها العشق والطرب
إلى قوله:
حبيب تسأل عن حالي وكيف أنا
شبابة في شفاه الريح تنتحب
كانت بلادك رحلاً ظهر ناجية
أما بلادي فلا ظهر ولا غبب
أرعيت كل جديب لحم راحلة
كانت رعته وماء الروض ينسكب
وفي نص آخر يقول:
يا بلادي التي يقولون عنها
منك ناري ولي دخان اتقادي
إلى قوله:
هذه كلها بلادي وفيها
كل شيء إلا أنا وبلادي.

ولعل تلك الحيرة تجاه الحقيقة الموجودة في شعرية البردوني – وحسب – تنعكس بشكلها الموحش داخلا البنية النصية التي تعتمد على قدرة الشاعر في اختزال الرؤية الواسعة لأفق المدلولات وترجمتها داخل بوتقة الفن الشعري.. ولا يغيب التركيز على أن هذه الأسلوبية المركزة في شعر البردوني بانزياحتها وسورياليتها عند تناوله اللهم الإنساني واستلهام حقيقة هذا الغموض من خلال تراجيديا شعرية غامضة تحاكي غموض الحقيقة وتلامس الحيرة الكلية تجاهها.. ولا يغيب التركيز على أنها من أ برز ملامح حداثة البردوني داخل العمود الشعري.
ثالثاُ: الرؤية للقادم ” التنبؤ- الصيرورة” عبر مخرجات الحداثة المادية:
لا أعتقد أن ثمة شاعراً حديثاً استطاع التنبؤ في سياقات النص بما سيكون ملامساً – إلى حد بعيد – أطرف التحقق وحدود ما سوف يحصل وذلك من خلال استنطاقة الحكيم لما تنتجه حداثة الإنسان – تكنولوجيا معلوماتية –سباق – تسلح – اقتصاد- سقوط قوة – بداية اتجاه فكري أو نهايته… الخ
ولأن البردوني ليس منجماً ولا محللاً سياسياُ صرفاً فقد استقى رؤيته للقادم البشري من داخل السواد المعتم الذي يحيط به من كل اتجاه لأنه يرى غير ما يرى الآخرون ويسمع بطريقة تختلف عن الكل فإن استقراءه لمتقضيات ما يدور إنسانياً يبدو أكيداً من خلال إخراج رؤيته من دائرة الهذيان والتحليل الجاف إلى فضاء الفن الشعري الذي يجعل من تنبؤاته قيماً ثابتة ومقبولة تكتسب أكيديتها من قدرتها على سبك الصورة لتكون دالاً موضوعياً في داخله نكهة السخرية والأخلاقية والتوصيف الفني للأحداث والنتائج…
يا طفل حربين تبدو زوج ثالثة
لها بإبطيك خالات وعمات
لعل مجيء هذا النص على إثر حرب الخليج الثانية فإن قيام حرب الخليج الثالثة بعد ثلاثة عشر عاماً من النص يوحي بمدى استفادة البردوني من وسائط العصر ومخرجاته وأحداثه في خلق حداثة شعرية والتنبؤ الجمالي واحد من سماتها.
ويلاحظ أن صيغة الجزم لم تأت في سياق تصريحي جاف بل أتت داخل ديناميكية فنية مثلاً “زوج ثالثة- لها خالات وعمات ” وما وراء المفرد لا يقتصر على كونه ذات المعنى الظاهر بل يمتد إلى ما وراء التزوج واحتفاء المحتفلين تحت إبطي العريس “خالات وعمات ” لدلالتها على القرابة ومدى ملابستها لما حدث فعلاً في عام 1993م تلك الدلالة العمقية على مسببات وعوامل النجاح لذلك الزواج تحيلك إلى مدى إصابة المدرسة البردونية الشعرية للحداثة الحقيقة.
وبما أن البردوني يرى بأن الظواهر الحداثية المادية وقسوتها في القضاء على الفطرة البشرية وطبيعتها التي أراد لها خالقها ليست أكثر من سباقات وحشية على القوة والسيطرة وأستهلاكات سافرة لمعاني الإنسانية وقيمها ولذا تأتي مواقف الفن الشعري البردوني في قمة شفافيتها وعمقها:
قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا
شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا
وأيضاً:
غير انهيار الآدمية وارتفاع البنكنوت
وأيضاً:
في حقولي ما في سواها ولكن
باعت الأرض في شراء السماد!!
فإنه وفقاً لذلك يرى ما وراء ذلك الاستهلاك من قادم متوحش.
وتأتي سيقات التنبؤ بصيرورة الآن إلى آخر مختلف من داخل رؤية تحتم وقوعه ، فيبدو من خلال سياق النص وكأنه كائن فعلا ، وربما لأن البردوني في حقيقته الإنسانية وبتفاعل مع متغيرات العالم وديناميكيته يظل ” مأخوذاً بالتجاوز والإبداع والتغيير.. يريد للغة الشعرية أن تكون تأسيساً لحقائق جديدة متصلاً لوجه الإنسان البهي ومتجهاً بذلك الطموح العربي الجارف الذي ما يزال يتلعثم بحثاً عن النهج والطريق لاستئناف الإبداعية والخرق والتخطي يعارض في شعره ذهنية الثبات ويرسخ ديناميكية الحركة والتخطي “.(4).
إن القارئ لشعر البردوني منذ زمان بلا نوعية سيجد أنه وخصوصاً في زمان بلا نوعية يكثر فيها التخمينات على طريقة ما يسمى بعلم “الجفر” ليس في شكل التنجيم أو قراءة الكف بل في شكل متساوق مع الأداء التصويري والبناء اللغوي الذي يقود إلى حداثة استخدام اللغة وأدبياتها:
وقتاً وتعتاد الجماهير من
جاءوا وتنسى كلمات النشيد
ترى كأحلام بلا أعين
كأعين في وجه حلم بديد
يتلو نبوءات القبور الصدى
يميع كالملح العرين الشديد.
قد تأتي النبوءة مغلفة بالرمزية القائمة أحياناً ولكنها تظهر من خلل في جدار النص هو الأدوات التي يستعملها الشاعر مثل الإشارات الضوئية في وسط ضباب وهو الترميز” وقتاً وتعاد الجماهير- ترى كأحلام – يتلو نبوءات – يميع..” والفعل المضارع هنا دال على الاستقبال لا الحال لمجيئه في سياق التمهل ” وقتاً تعاد ” كون مفرده “وقتاً ” هنا ظرف للإمهال والتوعد وهو ما أعطى الأبيات نكهة التنبؤ.. وجعل من الصيرورة سمة رئيسية داخل النصية البحتة خارج التحليل السياسي الجاف.
وقد تأتي الشفافية كوسيط فني للدلالة على التنبؤ وفي صورة صريحة تحتمل الفاظ ومتلازمات التنبؤ مع الاحتفاظ بفنية البناء الشعري:
إنا بعون الله نرسم ما يلي:
عن ما مضى بعدي وقبل تشرفي.
النقطة العشرون تصبح رابعاً
الخمس بعد العشر أمر موقفي.
تمثل آلية التنبؤ في ترسم ما يلي كبوابة مؤدية إلى أبعاد الدلالة على رسم نبوءة ما مختفية خلف السياقات التصريحية التي أعتمدت في بنائها الفني على قلب مفهوم الصورة “مضي بعدي- قبل تشرفي- العشرون تصبح رابعاً ” لتدل في اسلوبيتها المأخوذة من لهجة تراثية هي غموض كلام المنجمين والسحرة كقيمة جمالية استثمرها البردوني داخل سياق النص لغرض جمالي يرمي به إلى التلويح بالمتنبأ به.
وإليكم التفصيل يسقط عالم
بسقوطه في كل قصر تحتفي
وحضارة تعدو ويعثر نعلها
بجبينها وبذا التلهي تشتفي.
ختاماً: كان البردوني يعي طوال رحلته الفنية والفكرية كيف يجب أن تكون تفاصيل تجربته التي تقترب من مفهوم الدراما! الدراما الشعرية التي تتدرج من مواقفه المناوئ لحداثة مادية قائمة على استهلاك القيمة الإنسانية الفطرية:
قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا
شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا
ومن ثم الغوص في تفاصيل وأعماق الهم الإنساني وتفاصيل كينونته الوحشية للوصول إلى غرض شفيف للحقيقة الموحشة.
ليس بيني وبين شيء قرابة
عالمي غربة زماني غرابة.
ومن ثم استقراء وجه المستقبل الناتج حتماً عن هذه التفاعلات الحضارية واسشفاف ما قد يكون عليه حال الإنسان بشكل تصريحي مخصص المكان والذات أو بشكل غامض رمزي مطلق.
ولكنه يبدو متفائلاً بعد هذا كله تفاؤلاً يتمثل في التفتيش عن خلاص مثالي قد يكون زمناً أو مكاناَ:
أريد مدى إضافياً ثرى من صنع إتقاني
وتاريخاً خرافياً أعلق فيه قمصاني
وأيضاً:
سوف تأتين كالنبوءات
كالصيف كانثيال الغضارة.
وقد يكون مخلصاً في صورة مهدي أو فارس أو حكيم!!:
يا مصطفى يا كاتباً
من كل قلب تألف
ويا زماناً سيأتي
يمحو الزمان المزيف..
————————–
المراجع:
1) عبد الرحمن إبراهيم – الصورة جدلية الثنائية الضدية في شعر البردوني للأستاذ / عبد الرحمن إبراهيم – الحكمة –ص88.
2) المصدر اسابق
3) وليد مشوح – الصورة الشعرية عند البردوني – ص209
4) د: خالدة سعيد – ضمن دراسة ” جدلية الثنائية الضدية في شعر البردوني ” للأستاذ / عبد الرحمن ابراهيم – الحكمة ص88