لقيتها

لقيتها
موقع البردوني - ديوان في طريق الفجر

ديوان في طريق الفجر >  لقيتها

شعبان 1379هـ

أين اختفت في أي أفق سامي؟
أين اختفت عني وعن تهيامي؟

عبثاً أناديها وهل ضيعتها
في الليل أم في زحمة الأيام؟

أم في رحاب الجو ضاعت؟ لا: فكم
بثيت أنسام الأصيل غرامي

ووقفت أسأله وقلبي في يدي
يرنو إلى شفق الغروب الدامي

وأجابني صمت الأصيل… وكلما
أقنعت وجدي.. زاد حر ضرامي

* * *
وإذا ذكرت لقاءها ورحيقها
لا قيت في الذكرى خيال الجام

وظمئت حتى كدت أجرع غلتي
وأضج في الألام أين حمامي

وغرقت في الأوهام أنشد سلوةً
ونسجت فردوساً من الأوهام

* * *
وأفقت من وهمي أهيم… وراءها
عبثاً وأحلم أنها قدامي

وأظنها خلفي فأرجع خطوةً
خلفي… فتنشرها الظنون أمامي

وأكاد المسها فيبعد ظلها
عني… وتدني ظلها أحلامي

وأعود أنصت للسكينة والربى
وحكاية الأشجار والأنسام

وأحسها في كل شيءٍ صائتٍ
وأحسها في كل حي… نامي

في رقة الأزهار في همس الشذى
في تمتمات الجدول… المترامي

* * *
فتشت عنها الليل وهو متيمٌ
الكأس في شفتيه وهو الظامي

والغيم يخطر كالجنائز والدجى
فوق الربى كمشانق الإعدام

وسألت عنها الصمت وهو قصيدةٌ
منثورة تومي إلى النظام

ووقفت والأشواق ترهف مسمعاً
بين الظنون كمسمع النمام

والنجم كأس عسجديٌ… ملؤه
خمرٌ تحن إلى فم “الخيام”

وهمست أين كؤوس إلهامي وفي
شفتي أكواب من الإلهام

* * *
والريح تخبط في السهول كأنها
حيرى تلوذ بهدأة الآكام

وكأن موكبها… قطيعٌ ضائعٌ
بين الذئاب يصيح: أين الحامي؟

وتلاحقت قطع الظلام كأنها
في الجو قافلةٌ من الإجرام

وتلفت الساري إلى الساري كما
يتلفت الأعمى إلى المتعامي

وأنا أهيم وراءها يجتاحني
شوقٌ وتقتاد الظنون زمامي

وسألت ما حولي وفتشت الرؤى
وغمست في جيب الظلام هيامي

فتشت عنها لم أجدها في الدنا
ورجعت والحمى تلوك عظامي

* * *
وأهجت آلامي وحبي فالتظت
ولقيتها في الحب والآلام

وتهيأت لي في التلاقي مثلما
تتهيأ الحسناء للرسام

وتبرجت لي كالطفولة غضةً
كفم الصباح المترف البسام

وجميلةٌ فوق الجمال ووصفه
وعظيمةٌ أسمى من الإعظام

تسمو كأجنحة الشعاع كأنها
في الأفق أرواحٌ بلا أجسام

لا: لا تقل لي: سمها فجمالها
فوق الكناية فوق كل أسامي

إني أعيش لها وفيها إنها
حبي وسر بدايتي وختامي

وأحبها روحاً نقياً كالسنى
وأحبها جسماً من الآثام

وأحبها نوراً وحيرة ملحدٍ
وأحبها صحواً وكأس مدام

وأريدها غضبى وإنسانيةً
وشذوذ طفلٍ واتزان عصامي

* * *
دعني أغرد باسمها ما دام في
قدحي ثمالاتٌ من الأنغام

فتشت عنها وهي أدنى من منى
قلبي: ومن شوقي وحر أوامي

ولقيتها يا شوق أين لقيتها؟
عندي هنا في الحب والآلام