رابع الصبح

رابع الصبح
موقع البردوني - رواغ المصابيح

ديوان رواغ المصابيح >  رابع الصبح

كان منهم، لهم يغنّي ويخطُبْ
وإلى مَن يُهمُّه الأمر يكتبْ

لا يقول الذي يقال، يوافي
بالفُجاءات مِن وراء التحسُّبْ

وينادي: يا صعب أدري لماذا
أنت صعبٌ.. فكيف يا سهل تصعُبْ؟

* * *

يا تواريخ يحصبَ أي سِفرٍ
يخبر اليوم: أين أطفال يحصُبْ

يا قناديل هل لكن التهابٌ
كاشفٌ، أم تظاهرٌ بالتلهُّبْ؟
* * *

يسأل الشمس ما حنين الروابي
يسأل المَرج كيف يصبو ويشحُبْ

ما دهى الرمل كيف ينساح ركضاً
والينابيع، هل ترى كيف تنضُبْ!

إن مَن أوثبوا جلود الصحاري
نزعوا مِن حشَى المياه التوثُّبْ

كان عصر الطغاة يُعطي ويُردي
جاء عصر الغزاة يردي ويَسلُبْ

* * *

ما دعوه تقدماً أنراهُ،
يا صحابي- تأرجحاً أم تذبذبْ؟

طينةً ترتخي بجرّة ماءٍ
وصخوراً في غمرة الماء تصلُبْ

* * *

كان منهم يرى ويُصغي إليهم
كصبيٍّ يعي دروس التأدبْ

في الأسامي يغوص خلف المُسمَّى
أين يثوي ويستشير التَّلَقُّبْ

يقرأ القلب حين يصعد وجهاً
يصحَب الوجه حين في القلب يرسُبْ

وإلى أغمض الحوادث يومي
فيحسُّونها تخفُّ وترطُبْ

* * *

مثلهم يحرث التراب ولكن
صوتُه من سريرة الورد يحلُبْ

ويُغنّي: عندي ثُمالةُ قلبٍ:
أي وادٍ فيه بقايا تحدُّبْ؟

مثلهم يأكل (العصيد) ويجري
بينهم كالغدير في الكل يسكبْ

مثلهم ينظر النجوم، ولكن
يتجلّى ما لا يرون ويثقُبْ

ويشمُّ الرياح مثل سواهُ
ويحييّ ريحاً مِن الريح تهربْ

ويناجي غمامةً ما رأوها
ويراها مِن هاجس البرق تقربْ

* * *

ينظر النبتة الصغيرة قلباً
فيه سهلٌ سيستطيل ويرحُبْ

ويُسمّي الرُّبى نثير جباهٍ
عَرقَ الجُهد، نثّها في التَّصبُّبْ

يسمع (الدِّمنة) التي شاخ فيها
جدُّ (عادٍ) يشِبُّ فيها التَّشبُبْ
* * *

خلف هذا الذي يلوح سواهُ
انظروا ما أشفّ نسج التأسلُبْ

وادخلوا الشيخ مِن بَنان يديه
وادخلوا القَسَّ مِن مسوح الترهُّبْ

الأمور التي تسبِّب أخرى
تسبق الناتجات عنها التَّسبُّبْ

* * *

فيقولون: كيف يدري ونعيا
ليس ك(ابن الفقيه) يقضي ويحسُبْ

إنه يفتح الثرى والثريّا
مثلما يكسر الحروف وينصُبْ

وهو يرقى منهم ويهمي إليهم
ولهم يمتطي شعاب التَّشعُّبْ

* * *

يبصق اللافتات حين تُرائي
فتغنِّي بحسنها وهي تندُبْ

وتُحاكي مذياع (سعدٍ وقيسٍ)
فتُوالي كالناعقين وتشجُبْ

* * *

ولذا يدخل الجذور سَؤولاً
أي شيءٍ هناك يدنو ويعزُبْ؟

ينثني عن أرومة التّين يروي
وإلى صفرة البساتين يَنسُبْ

وعن الصيف: كيف أغرسُ قلبي
عِنَباً والخريف يُبديه (عُثربْ)

ويبثُّ الذي تكنُّ الدَّوالي
وعن الخوخ يستعيد التعتُّبْ

* * *

يعلن البدء وهو في السرِّ نبضٌ
مثلما يعلن الربيعُ التأهُّبْ

عندما تصبح العيون قلوباً
مِن حنين ترى حضور التغيُّبْ

* * *

مقلتاه وحاجباه وفُوهُ
كالعناوين في كتاب التقلُّبْ

فإذا قال أعجب الكل قولاً
وإذا لم يقل أثار التعجُّبْ

وينادُونه إلى كل مُرٍّ
وإذا أولموا ينادُون جُندُبْ

* * *

قل لذاك الذي أبى أن يُداجي
إن عندي لكل داءٍ تَطبُّبْ

من تقاوي وكلهم منك أقوى؟
طالما أثمر الغلاب التغلُّبْ

اجتنب – كالكثير – هذا، لماذا؟
لا استراحوا ولا اطمأن التجنُّبْ

ربما ألَّبوا عليك الدواهي
فليكن، لا عدمت هذا التألُّبْ

هل لديهم سوى جهاز التحرّي
واغتيال النجوم، إلاّ التسيُّبْ

* * *

أنت يا صاحبي غريب النواحي
ما تربّت غرابتي في التغرُّبْ

واضحٌ عنك ما تعصَّبت يوماً
ولهذا أغفلْتَ أهل التعصب

كان فوضى فمذهبوهُ، تبيَّنْ
هل لهم أي مذهبٍ أو تمذهُبْ؟

* * *

ما أراك اكتسبت غير المنايا
هنَّ إلفي وراثةً أو تكسُّبْ

أتراني نزحت عنهن حيناً
بل يحاولنهنَّ عنك التَّحجُّبْ

المنايا هُنَّ المنايا، عوارٍ
أو كواسٍ مزوَّقات التَّنقُّبْ

وسواءٌ هاجمن دون عيونٍ
أو تعاقبن مِن عيون التَّعقُّبْ

جرَّب البعض ما تخوض وتابوا
عادة الطيب، غير جلب التَّطيُّبْ

* * *

كيف تستنبح العِدى وتُغنيِّ؟
أي صوتٍ ولا وجوم التَّهيُّبْ

أتظن السُّكوت يحمل وصفاً؟
أيُسمّى تعادياً، أم تحبُّبْ؟

أتَراني دنوت منك قليلاً
للأماني قُربى تفوق التَّقرُّبْ

* * *

كان كالبحر لا ينام ولكن
كان عكس البحور يحنو ويعذُبْ

يتهادى جداولاً وقطوفاً
ويُري شارِبِيه مغزى التَّشرُّبْ

نصفُه مِن نواظر الكل يرنو
نصفُه في جوانح الكل يغرُبْ

* * *

صار بيت البيوت، مقهى المقاهي
ربما يمنعون فيه التَّحزُّبْ

أو يقولون لست فرداً ولكن
عالَمٌ مِن خطورة في تهذُّبْ

فليقولوا، فما تنكَّب هولاً
أو رأى الهول ينثني بالتَّنكُّبْ

* * *

إن نأى المستحيل عن قبضتيهِ
فإلى بابه يحث التَّطلُّبْ

رابع الصبح والدُّجى والتمادي
قلبُهُ ثالث الأسى والترقُب

يحمل العصر في يديه كتاباً
وعليه فطريَّةُ الشيخ يعرُبْ

عام 1988م