جوّاب العصور

جوّاب العصور
موقع البردوني - ديوان جواب العصور

ديوان جواب العصور >  جوّاب العصور

ما الذي تبتاعُ يا (زيد الوصابي)
هل هنا سوقٌ سوى هذا المرابي؟

يدخل السوقان سوقاً، يمتطي
(باب موسى) ركبتيْ (سوق الجنابي)

ورق العملات يعدو مثلما
تهرب الحيّات من ضيق المخابي

يسقط المُغْرى على المغري كما
يستحمُّ الطين في الطين المذاب

لا أرى (الشرشفَ والعِقدَ) على قامة
(العُسبان) مدعاةَ اعتجابي

هكذا قُلْ، إنما لا تقترح
عن هُدى التمييز أن أُبدي متابي

سوف تلقى سبَّهُم، يا ليتهم
أحسنوا أحدوثةً حتى سِبابي

كلَّ يومٍ لا تَرى ما ترتضي
ثمَّ تغضي آبياً أو غير آبي

* * *
ذاك يا أُمي يناجي ثانياً
وَهْوَ يمشي وحدهُ، يُدعى اكتئابي

لا تَلُفُّ امرأةً نظرتُهُ
مثلَهمْ، يبدو نبيّاً أو دُعابي

هاأنا أسمعتُ حيَّين فلو
صحتُ هل يستوقف السوق اصطخابي؟

قل لماذا جئتَ يا زيدُ إلى
هذه الأنقاض؟ أجتُّر خرابي

* * *
الريالاتُ التي تملِكُها
لا تفي قرصاً وإبريقاً (رُصابي)

عدّها، عَدَّيتُها الآن هنا
عند هذا السوق مَنْ يُحصي رَغابي؟

أعْلِنُ الحربَ عليه في الذي
كان أحنى منه، كسَّرتُ حِرابي

* * *
كنتُ في عصر البراءات بلا
درهم أهنى طعامي وشرابي

في متاه (الشنفرى) أذهلني
عن نداء الجوف دفعي وانجذابي

قلت: يا صحرا خذي جمجتي
فأجابت: هاك ليلي وذئابي
***
تحت بند الفتح أرضعت المنى
أرخت الريح يديها لاحتلابي

صرت عند (اليعفري) منتدباً
للمهمات التي فوق انتدابي
***
همت في أيام (فيضي) مفلساً
وبفلس أشتري ملء وطابي

جئت هذا العصر أحدو جثتي
لا أرى لوني، ولا شم ملابي
***
أين يا أرض الذي تطوينه
تحت نهديك؟ أشميت اضطرابي؟

في ثمانينات هذا القرن لا
أنضجت شمسي، ولا جادت سحابي

إن تكن بعض حنيني فاحتمل
ساعة عن ساعدي بعض قبابي

ما الذي يا زيد قالت؟ أوثقت
سرها الباكي إلى قعر انتحابي

أشتهي الآن غداء موجزاً
حزمة صغرى من (القات الرحابي)

بعض تبغ، ومقيلاً لا أرى
فيه وجهاً بين وجهي وصحابي

هل لديك الآن ما يكفي،
ولا نصف ما يكفي، ولا كف لعابي

إستدن من (مرتضى)، لاحظتهُ
لامني حين تقاضاني (الحَبابي)

قيل بالأمس قضيْتَ (المَقْطري)
بالذي أقْرضني (يحيى المَذابي)

جرِّب اليوم (هُدى) عندي لها
خمسةٌ أخرى ومخطوط (العِنابي)

قلتُ زيدي خَمسةً، قالت أبي
كان أيام (الصليحييِّن) جابي

قلتُ هل هذا تراثي؟ ضحكَت
وأضافت وتُراثي واكتسابي

* * *
يا (وصابي) والدي يحتلُّني
وجهُهُ مِن داخلي يُرخي حجابي

كلّما مرّيتُ قالوا: بنتُ مَنْ
مَنْ أبوها؟ عنْبَسيٌّ، بل شَوابي

يا طريق البيت، هذا اسمي هدى
مَنْ هدى؟ يا بنت شعسان الرَّبابي

أنت يا زيد الذي أشكيتَها
بل شَكَتْ مأساة أختي واغترابي

* * *
ذاك بنكٌ، كلُّ بنكٍ قال لي:
في أكُفِّ المصرف الدولي رِقابي

ربح دَيني وحدَهُ يربو على
دِيَتي، مَنْ سيبتاع استلابي؟

* * *
كم تريد اليوم، يا زيد اقتصدْ
عِشْرُ ألفٍ بعض ما يُطفي التهابي

بع كتاباً، خمسةً، من يشتري
أضحت البيضة أغلى من كتابي

خُطَّ عنواناً، وعد (قطباً) به…
من يحبُّ الشعب يأبى أن يحابي

مثل (كُتَّاب الزوايا) قُل وكلْ
لزواياهم جفان كالجوابي

كلهم متربة مثلي، سوى
أنني متربة غير ترابي

* * *
إنني أبدع مني عالماً
لا تُلاقي فيه محبوّاً وحابي

ليس فيه أيُّ محكومٍ، ولا
أيُّ حكمٍ عسكري أو نيابي

انتبه يا زيد قفْ، سيارةٌ
المنايا والمُنى أحلى كعابي

خُنتني يا زيد كم أضعفتني
مذُّ تخيرت من المهد اصطحابي

* * *
إصعد السيارة، اقعدْ، ههنا
لا تخف، ما أنت موضوعَ ارتيابي

أي زيد يا فتى تدعو، متى
لا تسل أنت، أجب، هذا جوابي

أنت زيد، فمن الثاني، أنا
أنت تدعو أنت، دع عنك التغابي

رامَ إنسانُ قميصي مُسعداً
فانتضى إنسان قلبي من إهابي

أكما الطفل يناغي نفسهُ
كنتَ تحكي؟ كالصِّبا وهم التصابي

لا تخف، من زيدٌ الثاني، أفذ
ضدّ هذا المختفي حكم غيابي

أيُّ زيد كنت من أصحابه؟
أو حكوا عنه؟ تكلَّم يا انقلابي

أي زيد أخبروا عنه؟ ولو
قبل عشرٍ، ليت إلماحي شهابي

يا أخي، أذكر زيداً ثالثاً
فاستمع صدقي، وفكّر في كذابي

* * *
جاء في “الأحزاب” من أخباره
خيرُ توضيح وتلميح خطابي؟

كان حزبياً، صدقت الآن، قل
أين ألقاه، فقد أعيي طلابي

هاك ألفين وحدد بيته
من ربى التاريخ في أعلى الروابي

في (فتوح الشام) يثوي قائلاً:
ردّ لي أزكي أب أصل انتسابي

إنه من (شام همدان) وما
في رباه صعبة تثني ركابي

حسناً نوّرتني، فاذهب وكن
ألف مجنون، فقد هدأت ما بي

* * *
ما الذي أعثرني اليوم عليّ
ذلك العاتي، تبدّى في ارتقابي

من زحام المشترى والمشتري
جاءني مني ومن فوق احتسابي

قلت يا زيد إليه، شاهراً
قلب قلبي، رامياً خلفي قرابي

قُربه اركبني، أركبته
منكب التأريخ، واختار انتخابي

علّه اليوم يمسِّي حميراً
أو يبغِّي سبأ، من أنت، سابي؟

أو على (عمرو بن معد) يعتدي
فيلاقيه بسيفٍ غير ناب

أو يحثُّ (الأشتر): الآن اعترف
أنت زيد يا أخا الجُرد الكوابي

ربما يسطو على (موسى الرضا)
أو إلى الإعدام يقتاد (عُرابي)

أو على (الصابي) يوشي تهمة
أنت زيد في سجل الحزب صابي

وسيعزو كل ما يعتاده
من حماقات إلى مرمى صوابي

* * *
ولعلي واهمٌ أحسبه
ينبش التأريخ عن خصم سرابي

هل ذرعت الدهر عنه يا أنا
وهو في مكتبه يطهو عقابي؟

يوم لاقاني دنا مُستنطقاً
لونَ نبعي، وإلى أين انصبابي

* * *
قد ألاقيه غداً أو بعده
مستعيراً مذهبي، وجه ذهابي

واقفاً بين ضميري وفمي
قائلاً ما لم يقل ريقي لنابي

* * *
عله في داره الآن على
حضن أختين، كشيطان غرابي

يحتسي من كف باريسية
أو فلبينية أو بنت (فابي)

* * *
عله في السجن يشوي كاتباً
أو يعشي كلبه أي نقابي

أو بذاك الركن، يحصي دخله:
ذا حساب المرتجى، هذا حسابي

* * *
كيف أعطي نصف كسبي آمري
وهو ما كان قسيمي في عذابي

باسم أمن الأمر، أحوي ثروتي
باسم ماذا ، ينهب الأمر انتهابي؟

* * *
لست يا زيد الوصابي كفؤة
بل أقاويه لكي يقوى غلابي

ابتعد عنه قليلاً، نصفه
ظهر بعدي، نصفه وجه اقترابي

لا أغطي عنه وجهي، إن يكن
غسقياً، فأنا ليت ضبابي

لا أعادي شخصه بل وصفه
فهو من أرضي كأشواك شعابي
* * *
كيف زاد الشوك يا أرض على
حجمه: غذته من لحمي هضابي

علميني: قل لمن لا تجتني
من نباتي سوف يجنيك احتطابي

* * *
من أرى، من قلت غررت به
لست أخشى ذلك الوجه الذبابي

إنني من قلبه أقرأه
وهو يتلو عن فمي صمت عتابي

* * *
كم أصابتك قواه؟ قل وكم
علمتني كيف اجتاز مصابي

قيل عنه، قال من أمنت من
جانبي أنبحت حوليه كلابي

فليكن، يبتز عني قشرتي
أين من أيدي ضواريه لبابي

* * *
لست تدري مكره، أحمله
مثلما احمل تبغي وثقابي

إنه يقدر أن ينزعني
من مباتي، وله علم إيابي

إنه يعرف زواري، وكم
طوب بيتي، ومتى أغلق بابي

عنده كل بيوت الناس، بل
عنده عنوان قبري من شبابي

* * *
لا أماري أنه أقوى، فما
باله يخشى وقوفي وانسيابي

إنه والٍ بلا شعبية
وأنا داعية غير مجاب

فلماذا يتقي صوتي، كما
يتقي صمتي وإمكان انسرابي

ألأني عفت رأسي مالئاً
من رؤوس الفيلق التركي جرابي

أو لأني حين مادت (صيرة)
من عباب البحر أطلقت عبابي

أو لأن الخائرين انسحبوا
يوم (نجران) وقاتلت انسحابي

* * *
لا تخف يا زيد شيئاً، ومتى
خفت، أو قيل رأى الهول اجتنابي

جبت عصراً بعد عصر وأنا
أنت، ما زلت أنا ذاك الوصابي

ديسمبر 1989م