انتحاريون

انتحاريون
موقع البردوني - رجعة الحكيم بن زائد

رجعة الحكيم بن زائد >  انتحاريون

لم يبق في الكأس إلا الكأس يا (عمر)
عزز بأخرى لأن الصحب ما سكروا

كالأنجم انتظموا عقدين من فرحٍ
يعمرون المنى، يعلون ما عمروا

لأنهم فوق ما شادوا وما بلغوا
وخلف ما أومأ (السعدان) وانتصروا

على شفاه الندى كالنرجس انفتحوا
وكالروابي على ريح الشتا كبروا

من أخمص الوطن الأغلى، إلى فمه
ينحون، لا غادروا، ألووا بمن غدروا

* * *
اللحظة انضاف عقد من حنين غدٍ
ومن طيوف المحبين الألى غبروا

كأنهم من قناديل المحال، ومن
حلم البداية قبل الأعصر انهمروا

* * *
على شذاك يحيون الكؤوس بلا
لمس، إلى أن تقول الحكمة ابتدروا

على سنا وجهها تطفو عيونهموا
يخبرن كم دوحةٍ في قلبها انعصروا

وكم رياض كرومٍ طلن في سعةٍ
أوموا إليهن بالجرات فاختصروا

فأصبحت كل حدبا من تهدلها
خوابياً، تهصر الحاسين تنهصر

لأن أجنى الدوالي أمهاتهمو
سادوا، فما أمروا يوماً، ولا أمروا

ملوك أحنى قلوبٍ ما حكوا: لبست
مصفرها (يمن) أو حمرها (مضر) (1)

* * *
عند اختتام الهزيع الأول ابتدأوا
يحسون، يستخبر الوراد من صدروا

وكنت إذ ذاك في ثاني الهزيع، على
حالين: ذا ينطوي ثانيه ينتشر

هذا يقول: اعتذر واخرج، وذاك يرى:
صمم سوى (عمرٍ) يعيا فيعتذر

ذا سائل: كيف أنت الآن؟ كيف ترى؟
أحس بعضي ببعضي بات يأتمر

* * *
هنا دنا منك (نجم) مبدياً جلداً
كي لا يرى الشهب فوق الصحب تنكدر

إليكها، يا يدي تدرين أين فمي
إليك عنك، تقوم الكأس والوتر

كي يسكروا ويغيبوا عنك غنهمو
لكي تمر، ولا يدرون ما نظروا

* * *
وقلت عني: أدر للصحب أشربةً
غير التي اختبرتهم قبل واختبروا

لا تبق بيضاً ولا حمراً منقشةً
ولا الجرار اللواتي كنت أدخر

وقل: وداعاً فمالي عندهن هوىً
ولا لهن بهذا المنطفي وطر

* * *
من زف يا (نجم) هذي الكاعبات لنا
نحسو فنصحوا، ونظمى حيث ننغمر

من ذا رأى (عمراً)؟ أغفى بمقعده
يا (زيد) شاهدت؟ حدق أنت يا (زفر)

سرى إلى الحجرة الأخرى، أجاب هوىً
ما اعتاد هذا، ضمير الفعل مستتر

قل لي متى انفك عنا أي أمسية؟
الآن أصبحت، ماذا أخبر السحر؟

* * *
تعال يا (نجم)، لا تطفوا سجائركم
في البهو تسأل كأسي: من هو القدر؟

ما لونه؟ أهو زوج؟ هل له لغة؟
وكم تشظى ذقوناً باسمه اتزروا؟

عنها وعنك أجابت: عندنا قدر
نسقيه يغلي، يسقينا فنستعر

* * *
هل ذا أجد كتابٍ صاغه (عمر)؟
نعم، أيوصي تعلم كيف تنتحر؟

هل طبق الليلة العنوان؟ تسألني
بدون أي كتابٍ طبق البشر

* * *
عليك يا (نجم) عبء كنت أقربنا
منه، وأذكى الذين إن نووا قدروا

ماذا أسر بعيد الكأس؟ قال له:
من أطول الليل يا قلبي أو السهر؟؟

من يقرع الباب؟ قل من ذا هناك؟ أجب
(لميا) إلى البيت قالت: هاتف خطر

قال (الرضا): من شروخ النوم خلتكما
عليك يرمي قواماً كاد ينبتر

أعرته نصف زندي خطوتين، وفي
مدرج الباب لاقاه فتىً نضر

* * *
واراه باب شأى علم النبات، وما
أومى إلى غرسه، لا باح من نجروا

هذي طقوس اختطافٍ، مذ أجاب إلى
هذي الدقيقة، لا عين ولا أثر

كم مر وقت؟ تولت ساعة وتلت
أخرى،وماذا يلي، قد تنقضي أخر؟!

* * *
يا (نجم) في الغرفة اليمنى مهامسة
تدنو وتنأى، وما عن همسه خبر

يخال نبساً أنوثياً تداخله
هشاشة مثلما يستأنث الذكر

أحسها صوته يمتد منحنياً
كآخر اليوم، يعلو وهو ينحدر

* * *
هل نقرع الباب؟ نستقي مخارمه
نريد ندري، ونخشى هتك ما ستروا

هذا الغموض الذي يومي بغير يدٍ
يكاد من وجع الكتمان ينفجر

إلى القناني لكي يروى انتظار غدٍ
أو ينجلي عالم بالرعب مختمر

هل تسمعون أنيناً؟ قال (منتصر):
يفاوض الريح هذي اللية المطر

أظنه (عمراً) يطوي مواجعه
السمع يكذب -يا (هزاع)- والبصر

والخمر أكذب، لو عشرون خابيةً
يملكن سكراً، لأنسانا اسمنا العشر

لو جاءها صاحياً شعبان أو رجب
لقال: خالي جمادي، عمتي صفر (2)

* * *
قال السقطري: جدار بيننا، وله
نصغي كما يشرئب الطائر الحذر

العزل أدناه منا، لا تغيبه
عنا الكؤوس، كأنا فيه نحتضر

وكان (سيلان) طول الوقت منطوياً
وفجأة قال: ماذا نحن ننتظر

غداً سنطويه، ننساه ونذكره
ومن مدى صورتيه، تكثر الصور

اليوم يصبح أمساً بعد أمسيةٍ
ما أسأم العمر لو لم تحدث الغير

* * *
ماذا إذا مات من ثانيه يا (حسن)؟
أحصيتهم لا بدا فرد ولانفر(3)

قبل العصافير يخضل الربيع لمن
أتى، لمن سوف يأتي يطلع الثمر

وقال ذو الرأس: كنا زمرة زمناً
بأمر أي الرياح التمت الزمر؟

هل التقينا لكي تمتد كثرتنا؟
أمثالنا قلة شلًى وإن كثروا

* * *
يا (نجم) ماذا تبدى؟ خلت زائرةً
وزائراً، نم عنها السلم العطر

وأعلن المدخل الغربي أهبته
والمدلجون على أعتابه انكسروا

ماذا زقا؟ صوت من؟ قالت شقيقيته:
أهلوه قبل تنحي صحبه حضروا

* * *
وهاكمو خبراً في غير قالبه
(:ما ألين الموت لو أن الفتى حجر)

لا حن، لا أنً عند النزع، قل عدم
يرج منبته من قلعه الشجر

* * *
سمعتها تسأل الدكتور، قال لها:
مات انطفاءً كما يتثاءب القمر

من مات يا..، لا تقل أخرى سنمنعه
لا ترتحل، قم، أذبنا فيه يا سفر؟

سلوا السكاكين غابت في مقاتلهم
ماتوا وما شعروا، من عنف ما شعروا

1993م