سكران وشرطي ملتحي

سكران وشرطي ملتحي
موقع البردوني - كائنات الشوق الآخر

ديوان كائنات الشوق الآخر >  سكران وشرطي ملتحي

وقعت يا أحمر العينين تحت يدي
شكراً أخا اللطف يبدو كنت مفتقدي

قف حيث أنت، مساء الخير، طبت منىً
إمكان سيارةٍ ما كان في خلدي

* * *

من أين أقبلت هذا الحين تحملني؟
لن أفقد الحظ طول العمر يا نكدي

أحرقت نفطاً كثيراً طالباً أحداً
سكران لولاك يا ملعون لم أجد

وشت بك الحمرة النشوى ورائحة
-ما أسعد الورد لو لاقى كمنتقدي

عما تفتش في جيبي وخاصرتي؟
-إبلع سؤالك واركب لصق مقتعدي

* * *
-من بيت من جئت؟ من ظهري إلى قدمي
ما زلت سكران، لا تسرع، أطل أمدي

ناقشتم جيداً؟ من كان أحمسكم؟
-“طه” وأثقفنا “الحداد والعمدي”

ترى “الكميت” خزاعياً أباً وهوىً؟
أم أنت من رأي “غازي” إنه أسدي

-إخرس، نجوم الدجى يضحكن لي أترى
كأنهن كؤوس من دم البرد؟

لديك سيارة أخرى! أتترك لي
هذي إلى الصبح؟ مت يا وغد بالحسد

* * *
-ياهذه الليلة امتدي وياطرقي
أرجوك طولي وياسيارة اتئدي

هذا “هتيل المخا” هذا “سبا” وهنا
بدء “الزبيري” وهذا معرض “الهجدي”

هذي البيوت حبيباتي نوافذها
رنو قلبي إلى أيامها الجدد

* * *
-انزل وصلنا، بودي أن أظل هنا
أحسو النجوم وأشوي الليل في كبدي

فوراً أعشيك ليلاً ساخناً دسماً
نح المسدس عني لم يقم أودي

أوصلتك البيت، لكن كيف جاء هنا
بيتي، وزاد اتساعاً وهو كالوتد؟

تقول بيتي، أهذا القفر حارتنا؟
ياهذه الغابة الصخرية ابتعدي

لعله بيتك الثاني، وأنت به
ضيف، ولكن يلاقيني كمزدردي

* * *
أوصلت سكران؟ هل تمسي عصاي بلا
أهنى عشاءٍ فيمسي الغبن متسدي

أدخله نلقي عليه الآن أسئلة:
جادت ليالي بني ودي ومعتقدي

إجلس، لماذا تحيينا؟ عرفتكم
هذا “سعيد” وهذا “أكرم الجندي”

هذا “حسين” زميلي كان والده
ضخم العمامة “بحري النهى” “زبدي”

“نعمان” في حملة “العرقوب” كان معي
“علوان” كان يولي وحده مددي

* * *
كنا تلاميذ أقسام فعسكرنا
أيلول تحت سناه الأخضر الغرد

وكانت الثورة الحمراء تنشدنا
عليكم يا بني أيلول معتمدي

ما زلت تجتر ذكراها؟ وأنشدها:
“يادارمية بالعلياء فالسند”

* * *
وجدت في جيبه هذا الكتاب، أرى
“مستقبل النفط” لغو الزور والفند

وهل كتبت سوى هذا؟ محاولة
عن “صلح دعان” كراساً عن “العندي”

* * *
قالوا تزوجت خمساً، ألف كارثةٍ
تشقي ثلاثين جلفاً “مريم الصيدي”

يقال: حاربت في “ردفان” في “حرضٍ”
وقال: من لم يحارب إنني “قعدي”

* * *
والآن سكران؟ لتر بين أربعةٍ
هل عندكم نصف لتر ينطفي سهدي

نسقيك تسعين سوطاً، ما سمعت به،
سوطاً؟ أنوعاً من الويسكي أم البلدي؟

كالأسود الإنجليزي: هل سمعت به؟ كلا،
لعلي عرفت الأصفر الكندي

تحسو مداداً وخمراً، فاسق خطر
هذا الكتاب دليلي أنت مستندي

أنزله زنزانة والصبح تجلده
كم جلدة؟ قلت لا تبخل على أحد

* * *
يا أحمد الليلة اشتدت أواخرها
فقل لها اتقدي فوقي أو ابتردي

دخلت قارورة أخرى، ستألفها
واسكر كما شئت سكر الفارس النجد

تريد جلداً إضافياً لسوطهم؟
نعم وجسماً إضافياً إلى جسدي

* * *
يا “أحمد” اصبر بلا ضيق، صدقت، بلا
شكوى وياقسوة الزنزانة اجتهدي

شدي ضلوعي فما لاقيت غانيةً
سواك قولي أذب خصري وكل غيدي

لا تبعدي أنت جزء من ثرى وطني
مني فهيا بهذا المغرم اتحدي

اليك عشقي بلون البن فابتهجي
لا بد -يازوجة الإسمنت- أن تلدي

* * *
عرفت يا أحمد السكران، كيف ترى؟
شيئاً سوى الكأس غير المقيل الرغد

لا بل عرفت بلاداً كنت تجهلها
وأنت منها وفيها، غيبوا رشدي

* * *
من ذا تحاور يا هذا السجين؟ أنا
هل فيك شخصان؟ أجيال من الكمدِ

يا جار زنزانتي كن صامتاً أبداً
وكيف يصمت فرد غير منفرد

هذيت يوماً وشجوا بالنعال فمي
ونصف رأسي وقالوا: أخرجوا عقدي

* * *
تعال نغشى المصلى كي نغالطهم
ما اسم ابن أمي؟ أسُمَّى: أحمد القفدي

كم دفعوك ألوفاً؟ ما دفعت لهم،
إسمع على الخمسة الآلاف لا تزد

هم ينهبون فلوساً لا عداد لها
ويجلدون كما شاؤوا بلا عدد

فليجلدوا لن يروا ألفاً ولا مئةً
لو الغبار نقودي والحصى “نقدي” (3)

صبّوا علي عصاهم فاعتمدت على
جلدي، على ما تناسى الرعب من جلدي

* * *
ذكرت من أنت، غب في الهمس محترساً
يا صدفة العمر جاري “أسعد القلدي”

لاقوك سكران مثلي؟ بل أتوا وأنا
في صحن مدرستي أصحا من “الرأد”

أنكرت وجهك، مرت بي هنا سنة
ونصف أخرى، وبرق الوعد لم يعد

لعل قلب الضحى ينوي مفاجأة
هنا الضحى والدجى حيلان من مسد

متى استعاد زمان الجلد سيرته؟
من “يوم عمران” أو من “ليلة الحمدي”

ما للبداية بدىٌ كي تلوح لها
نهاية ذات بدء غير منعقد

* * *
مهدت للذاهب الآتي فكيف جرى؟
قدمت الاثنين -ياهذا- على الأحد

* * *
يا “أحمد” انظر بعيداً هل ترى طرفاً؟ يا
“أسعد” انظر عميقاً غير مبتعد

ألي غد؟ مر بي عشرون ألف غد،
من أجل يأتي الذي تدعوه أنت غدي

أكابد اليوم ما عاناه أمس أبي
أخشى يلاقي الذي لاقيته ولدي

يا صاحبي ذاك تكوين النقيض يرى
في غير مرآة يخفي دفقه الأبدي

1984