صراع الأشباح

صراع الأشباح
موقع البردوني - ديوان في طريق الفجر

ديوان في طريق الفجر >  صراع الأشباح

وحدي ومقبرة جواري
والوهم الأشباح داري

والأفق يشرق بالدجى
ويلوك حشرجة الدراري

والريح تزحف كالجنائز
في حشود من غبار

والنجم محمر الشعاع
كأنه أحلام ثار

وكأن عينيه تشتهي جارةٍ
وحنين جار

وأنا أتيه.. كنجمةٍ
حيرى، تفتش عن مدار

وكأني طيف ” الفرزدق”
يجتدي ذكرى “نوار”

وأرود منزل غادة
كالصيف عاطرة المزار

وكأنني أمشي على حرقي
وأشلاء اصطباري
ودنوت منها فانتشت
شفتاي، واخضر افتراري

ورنت إلي فتمتمت
ودنت، وغابت: في التواري

وأردت عذراً فانطوى
في خاطري الخجل اعتذاري

وهمست: أين فمي؟
وناري في دمي تقتات ناري

ورجعت أحمل في الحشا
حرقاً… كحيات القفار

وأحاور الحسناء في صمتي
فيدنيها حواري

فأظنها حولي رحيقاً
في كؤوسٍ من نضار

تبدو وتخفى كالطيوف،
وتستقر بلا قرار

وتكاد تقلع ثوبها
حيناً وترمي بالخمار

وأكاد أحضن ظلها
جسداً من الرغبات عاري

وطفقت أزرع من رما
ل الوهم كرماً في الصحاري

فدوت حيالي ضجةٌ
غضبى كدمدمة انفجار

وسعت إليَّ غابةٌ
تومي بأشداق الضواري

وعصابة براقة الألوان،
دامية الشفار

تمشي فيحترق الحصا
والريح تقذف بالشرار

وأحاطها ومض البروق،
فسجلت اخزى اندحار

* * *
والليل يبتلع السنى
والخوف يرتجل الطواري

فتصارع الأشباح أشباحاً
على شر انتصار

وهنا استجرت بساحرٍ
بادي التقى نتن الإزار

يهذي ويقتاد النزيل
إلى لصيقات العثار

ويبيع ساعات الفجور
لكل بائعةٍ وشاري

لص يتاجر بالحنا
ويزينه كذب الوقار

ويكاد ينفر بعضه
من بعضه أشقى نفار

ويثور إن ناوأته
في الإثم كالنمر المثار

وبلا انتظارٍ كشرت
في وجهه (ذات السوار)

فاهتاج وابتدر العصا
ودوت عاصفة الدمار

فانقض كالثور الذبيح،
يخور، يخنق بالخوار

ورمت به للموت يكنسه
إلى دار البوار

وتهافت الجيران فاتقد
الشجار على الشجار

فشردت عنه كطائرٍ
ظمآن طار من الإسار

والريح تبصقني وتروي
للشياطين احتقاري

* * *
وكأن أنهاراً تناديني
وتنضب في المجاري

فأعب من عفن الرؤى
وحلاً ووهماً من عقار

وأفر من نفسي إلى نفسي،
وأهرب من فراري

أهوى على ظلي كما
يهوي الجدار على الجدار

وأسائل الأحلام من
دنيا ترق على انكسار

* * *
لا تسكتي: لم أنتحر
إني أقل من انتحاري

أنا من بحثت عن الردى
في كل رابيهٍ وغار

ونسيت مأتم زوجتي
وأبي وحشرجة احتضاري

* * *
هل خلف آفاق المنى
دنيا أجل من انتظاري؟!

خضراء طاهرة الجنى
والري، دانية الثمار

ومواسم تندى وتولم
للغراب، وللهزار

للقبرات وللصقور،
وللعصافير الصغار

* * *
إني كبرت عن الهوى
والزيف والحب التجاري

وبصقت دنيا جيفةٍ
تؤذي وتغري بالشعار

وتصوغ من قذر الخطا
يا السود رايات الفخار

ومللت تيهاً ميت الـ
ألوان، مكرور الإطار

وسئمت أشباحاً أدا
ريها، وأشم من أداري

ولعنت وجهي المستعا
ر وكل وجه مستعار

وهفت إليَّ نسيمةٌ
جذلى كأمال العذاري

كتبسم الأفراح في
مقل الصبيات الغرار

* * *
وتثاءب الفجر الجريح
كمن يفيق من الخُمار

وانشق أفق الغيب عن
عهد المرواءات الكبار

وكأن دنيا أشرقت
كالحور من خلف الستار

تلقي المحبة عن يميني
والبراءة عن يساري

وسرت حكايات المدينة
كالخيالات السواري

ووجدتني أنهار وحدي
واستفقت على انهياري

ونهضت والدنيا كما
كانت تفاخر بالصغار

وتهاوت الدنيا التي
خلق افتناني وابتكاري

فوددت لو ألقى كذاب
الليل، صدقاً في النهار